مدونة إخبارية تنقل كل ما هو جديد من أخبار ومستجدات كنطولة

للتواصل مع الإدارة ..0662254502

Featured Video

السبت، 22 مارس 2014

إطلالة من إسميخ كنطولة .. !

  بقلم:  نور الدين اماد  _ كنطولة  قريتي


في ليلة مقمرة من ليالي الشتاء الزمهريرية ،حللت ضيفا عند إحدى العائلات في تلك القرية المنسية إسميخ، الجد في ركنه المعتاد منكمشا في أغطية قطنية من تلك التي جلبها أحد أبنائه في سفرياته الشاقة لشمال المملكة،جد أنهكه الدهر و قهر الجبال بقوته التي لا تزال في أوجها،إنه رجل كبير من طينة أولائك المقاومين الجبليين الذي منحوا أرواحهم و دمائهم فداء هذا الوطن الغالي، رجل لا زال يجوب القفار بشهامة و شموخ و يقطع عشرات الكليومترات كل يوم مشيا على الأقدام. قبل أن يبدأ طقس الشاي الذي كلفت بمهمة إعداده بدأ الجد المختار يحكي مغامراته البطولية قبل أن يستقروا بهذا السهل الذي يتحدى بمناخه و تضاريسه أقنعة الصمت و الظلام،يتمدد قليلا و يستمر في سرد ذكرياته الطفولية متأسفا للمصير الكارثي و المؤسف الذي لاقته قريته الصغيرة متحسرا على التغيرات السيئة التي حلت بهذا المجتمع الذي ساد فيه الإخاء و التآزر و إحترام الجار في يوم من الأيام ، يتمتم قليلا ، و يشرح كيف أن كبار القرية تخلوا للشباب بمسؤولية تدبير شؤون الدوار ضنا منهم أن المسؤولية في أياد أمينة، هيهات...إنهم لا يتحركون ساكنا، من منهم سعى لجلب منفعة للدوار،لا أحد ! يرفع من نبرة صوته الشجي و عينيه كلها حماس، يضيف قائلا: " الشبـــــاب، أي شباب تملكه هذه الأرض اليتيمة،"الشباب ن تييرا ن الزمان" كلهم الآن لا يفكرون سوى في مصالحهم الشخصية،و القريــــــة.. القرية المسكينة من سيرسم على وجهها ابتسامة بريئة،من ذاك الذي سيأتي من منطقة أخرى ليغرس شجرة، أو يفكر في همومنا المشتركة و معاناتنا مع العزلة القاسية...لا أحد، لا أحد...ينهي كلامه المعاتب بأمازيغية دافئة ، ''تجا تيسنت'' .
نظر المختار لزوجته فـــانة التي قضى معها أكثر من نصف قرن ليلفت انتباهها لمشاركته مشاهدة لقطة وثائقية على قناة National Géographique، مشهد يطارد فيه أسد ثائر قطيعا من الغزلان فينقض على واحدة كانت بعيدة عن السرب، يعود ليتحدث من جديد على بطولاته فيخاطبني هذه المرة مشيرا إلى المصباح الذي يضيء الغرفة أو أحانو كما يحلو لهم تسميتها..'' أرأيت هذا الكهرباء الذي ننعم به الآن،إنه ثمرة جهد جهيد ، و نتيجة لتنقلات كثيرة بين المسؤولين في الجماعة و القيادة و العمالة، كل الأسر الآن تملك تلفازا..أين لنا نحن أن نشاهد العالم في ذاك الزمان من خلال نافذة صغيرة..أترى ..لو لم نملك تلفازا ما عرفنا مصير ا لطاغية القذافي،و لو لم يزودون قريتنا بشبكة الكهرباء ما أستطعنا أن نعرف الكثير عن ثورات "الربيع العربي "، قاطعته لأول مرة،لأشرح له أن العرب ليسوا وحدهم من يعيشون في ليبيا و تونس و مصر...أحس بقليل من الغضب ممزوج بابتسامة صغيرة مخاطبا إياي '' نعم الربيع العربي ،هكذا نسمعها في جميع القنوات،أم أنك أكثر ثقافة من أولائك الذين يرتدون الكوستيم و الكرافات ،كلهم أفنوا حياتهم وراء الكاميرات،كيف لا نثق بهم..''بعد استحالة الحوار مع الشيخ المختار، التزمت الصمت طأطأت رأسي متذكرا نصا درسناه في السنة الأولى بكالوريا عن صراع الأجيال ، ينتقل للحديث عن موضوع آخر،'' يجب أن تعرف يا بني أن أخربيش الذي يشعلون فيه النار للتدفئة و تسخين مياه الوضوء،أنا من حمل على كتفي كل تلك الأخشاب التي تراها في السقف،حملتها من مسافات طويلة ،من أيت حمو أويحيى قرب تبرخاشت ،من أيت زكري ومن أمسكار،هل تعرف أمسكار؟إنه ذلك الدوار الغير بعيد عن أيت داوود...'' تمتمت مع نفسي قائلا'' إن كان كل ما يقوله هذا الرجل صحيح،فنعم الرجل !''.
المختار...إنه إنسان موسوعي فتجربته الطويلة في الحياة علمته أشياء كثيرة..ينتقل في الحديث من موضوع لآخر دون أن يفقدك التركيز،يرحل بك عبر الزمان و المكان في نسق متماسك يحترم جميع عناصر الحكاية و الأقصوصة ،إنسان يختصر في تقاسيم و جهه و كلماته المتناغمة تاريخ منطقة عرفت بالجود و الإحسان، و عرفت برجالاتها و عظمائها الأجلاء اللذين يحملون في أعماقهم هم هذه التربة النفيسة التي تضمحل يوما بعد آخر بسبب المؤامرات الداخلية و ازدياد الأطماع الخارجية.
المختار...رجل عظيم ،فنعم الرجل.
فانــة...إنها زوجة المختار، إمرأة نحيلة في عقدها السابع على أقل تقدير،إمرأة أنهكها الزمن و أثقلت الحياة الجبلية كاهلها فصار ظهرها مقوسا من كثرة تمارا، تجاعيد محياها تعيدنا لسنوات خلت،و الوشم على جبينها يلفتنا بشكل كبير فيشدنا الحنين لتلك الليالي الراقصة ،حيث الزغاريد تأتي من كل فاه ممجدة لوحة أحيدوس و ملحمة إسمها إزلي ... لفانة أربعة أبناء ذكور و ثلاث إناث، كلهم أنجبتهم مع المختار..البنات تزوجن، و الذكور من الأبناء يعملون في مهنة حفر الآبار و كل واحد يشتغل في مدينة مغربية، أصغر الأولاد يعمل في وجدة ، والآخرون في تيفلت ،إلا انها تميل شيئا ما لآخر العنقود،كيف لا و هو من يتذكرها في كل عودة بهدية بسيطة، جواربا كانت أم منديلا...لكنها لا تزال تتذكر بشدة آخر مرة عاد فيها من وجدة أنكاد،كان ذلك قبل عيد الخروف بيومين،ترقب جميع أفراد الأسرة الكبيرة تارزيفت، الزوجة تلكماس و الأبناء الخمسة و الأب المختار كلهم أمل و انتظار لينالوا حصتهم من هدية المدينة،إلا أن الأم فانة نالت حصة كبيرة،فقد إقتنى لأجلها غطاءا سميكا من نوع Mizaville في أحد أسواق عاصمة الجهة الشرقية، كيف تنسى فانه تلك الإلتفاتة التي تعطشت إليها في في وقت هي في أمس الحاجة إلى الراحة و إستدراك ما فاتها من التدفأ بأغطية فاخرة لم يكونوا ليحلموا بها يوما في زمانهم.
...بين شد وجدب،توجهت كل الأنظار صوب الشاشة الصغيرة لمشاهدة الفيلم التركي المدبلج، خيم هدوء على الغرفة كذاك الذي يسبق العاصفة،لا أحد يجرؤ على النطق،"فستات فستات" ،هكذا رددت تلكماس المرأة التي بدأت الشيخوخة تزحف نحوها بإصرار،الصغار كما الكبار،كلهم فتحوا أفواههم حتى لا تفوتهم أي لقطة من المسلسل..تأفف الجد المختار قائلا" أويمتاخد خلا إمنسي هات نوحل"، لا أحد يعير كلامه اهتماما ،إنهم غارقون إعلاميا في فيلات إسطنبول و جغرافيا بين فجاج أمردول...صرخت إحدى بنات تلكماس :"لقد إحترق الكسكس"، يستغل المختار الفرصة و يقول:" أرأيتم ؟إنكم لم تعودوا تحترموا أحد ".
أخذ المختار نفسا عميقا وتأفف من جديدا متحسرا على ما آلت إليه الأوضاع في قريته الجميلة و أسرته البسيطة.

من إسميخ ، دامت لكم مسرة القراءة و الإبداع

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More